يرى روي شوارترز أن المشهد الراهن في إسرائيل يشبه ما يمكن وصفه بـ “مسيرة المربيات الأمريكية”، إذ يواصل مبعوثو دونالد ترامب التنقل بين تل أبيب وغزة لمنع انهيار وقف إطلاق النار الهش. تتعدد خلفياتهم ومناصبهم، لكن هدفهم واحد: إبقاء التهدئة قائمة، لا سيما بعدما شنت إسرائيل هجمات جديدة على غزة أدت، بحسب تقارير، إلى سقوط عشرات الفلسطينيين عقب مقتل جنديين من جيشها.

في الوقت نفسه، دعا وزراء إسرائيليون إلى استئناف الحرب، وصوّت الكنيست مبدئيًا لصالح ضم الضفة الغربية، فكان الرد الأمريكي حاسمًا بين “لا” و”قطعًا لا”. ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب أكثر انشغالًا بإبقاء الهدنة الهشة على قيد الحياة من وضع خطة حقيقية لإعادة إعمار غزة.

وبحسب الجارديان، لا أحد يعرف متى ستبدأ الهيئة الدولية المقترحة لإدارة غزة عملها، ولا هوية القوات الأمنية المفترض نشرها هناك. أعلن نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس أن واشنطن لن تفرض على إسرائيل تركيبة تلك القوة، لكن إذا واصل نتنياهو رفض جميع البدائل، كما فعل مع المقترح التركي هذا الأسبوع، فإلى أين تتجه الأمور؟ ومن سيقرر ما إذا كانت القوات التي تفضلها إسرائيل راغبة أصلًا في خوض هذه المهمة؟ السؤال ذاته ينطبق على عملية نزع سلاح حماس، التي لم تُحدّد لها أي مهلة زمنية واضحة.

قال فانس، إن “القوة الدولية هي التي ستتولى نزع سلاح حماس، لكن الأمر سيستغرق وقتًا”، بينما صرّح ترامب أنه لا توجد “مدة صارمة” لذلك، ما يعني أن تلك القوة قد تدخل غزة بينما ما زال مقاتلو حماس يحتفظون بسلطتهم.

يثير ذلك تساؤلات خطيرة: هل ستتعامل تلك القوة مع حكومة أم مع حركة مقاومة مسلحة؟ وما مصير المدنيين الفلسطينيين وسط هذه الضبابية؟ خاصة أن حماس ما زالت تستهدف خصومها السياسيين، في وقت تواصل فيه إسرائيل عملياتها العسكرية. تبرز كذلك فجوة ضخمة في التغطية الإعلامية الإسرائيلية؛ فوسائل الإعلام تتناول خروقات حماس بكثافة، لكنها تتجاهل إلى حد كبير الخسائر المدنية في غزة الناتجة عن الضربات الإسرائيلية. بعد حادثة رفح الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين، ردّت إسرائيل بهجوم خلّف 44 قتيلًا فلسطينيًا وفق سلطات غزة، بينما وصف معلقون إسرائيليون الرد بأنه “ضعيف”، مستنكرين اقتصاره على استهداف البنية التحتية.

على الجانب الآخر، قالت السلطات في غزة، إن إحدى العائلات الفلسطينية فقدت 11 من أفرادها أثناء محاولتهم العودة إلى منزلهم في حي الزيتون، عندما أصابتهم القوات الإسرائيلية بدعوى تجاوز “الخط الأصفر” الذي يحدد مناطق سيطرة الجيش. هذا الخط غير مرئي للسكان، ولا يظهر إلا في الخرائط الرسمية. ومع ذلك، بالكاد أشار الإعلام الإسرائيلي إلى الحادثة. قناة 13 ذكرت بإيجاز أن “القوات أطلقت النار على مركبة وُصفت بالمشبوهة بعدما تجاهلت التحذيرات”، مضيفة أن إطلاق النار جاء “وفق الاتفاق” لإزالة التهديد، من دون الإشارة إلى وقوع ضحايا.

بهذا الخطاب الإعلامي الأحادي، يترسخ لدى كثير من الإسرائيليين انطباع بأن حماس وحدها المسؤولة عن خرق الهدنة، وهو تصور يعزز الأصوات المطالبة بمزيد من العنف. لكنّ استمرار هذا الإنكار يهدد أي فرصة لتسوية سياسية حقيقية، إذ لا يمكن الحديث عن “سلام” بينما تُحجب الحقيقة عن نصفها الفلسطيني.

وفي النهاية، كما يقول شوارترز، لن يكفي رجال ترامب أن يلعبوا دور “معلّمي الروضة” الذين يخبرون إسرائيل بما لا ينبغي أن تفعله؛ سيأتي الوقت، عاجلاً أم آجلاً، الذي يُطلب منهم فيه أن يحدّدوا ما الذي يجب فعله بالضبط — وكيف. حينها فقط سيتضح إن كانت هذه الإدارة تملك رؤية لغزة بعد الحرب، أم أنها تكتفي بتمديد هدنة واهية تخفي وراءها فراغًا سياسيًا أخطر من الحرب ذاتها.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/25/israel-gaza-donald-trump-ceasefire